بعد أيام من تبادل التهديدات وساعات على القصف الإيراني لقواعد عسكرية أمريكية في العراق، دون أن يخلف أي خسائر بشرية أو مادية، يتجه الطرفان إلى التهدئة. وإذا كانت تفاصيل القصف الإيراني قد تكشفت للجميع، فماذا عن الوضع داخل البيت الأبيض بعد أن توصلوا برسالة “صرخة عالية”.
تقرير نشرته صحيفة “newyorktimes” الأمريكية، الخميس 9 يناير/كانون الثاني 2020، وصف تفاصيل الساعات التي سبقت وتلت القصف الإيراني للقواعد الأمريكية.
الصحيفة الأمريكية قالت إن الإنذار وصل إلى البيت الأبيض بعد الساعة الثانية ظهراً بقليل من يوم الثلاثاء 7 يناير/كانون الثاني، وجاء في رسالةٍ خاطفة من أجهزة الاستخبارات الأمريكية يصفها المسؤولون أحياناً بأنها «صرخة عالية». وحذَّرت الرسالة من أن هجوماً إيرانياً شبه موكد سيضرب قوات أمريكية.
تفاصيل الساعات العصيبة داخل البيت الأبيض
صحيحٌ أنَّ ذلك اليوم شهد عاصفة من التهديدات المحتملة، بدءاً من التهديد بشنِّ ضرباتٍ بالصواريخ والقذائف إلى تنفيذ هجمات إرهابية ضد الأمريكيين في أماكن أخرى من الشرق الأوسط، ثم إنذار بأنَّ مئات مقاتلي الميليشيات المدعومة من إيران قد يحاولون مهاجمة قاعدة الأسد الجوية، وهي مُجمَّع شاسع مترامي الأطراف في الصحراء الغربية للعراق.
لكنَّ خصوصية التحذير الأخير الذي أرسِل عصر الثلاثاء جعلت نائب الرئيس مايك بِنس وروبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، يذهبان إلى الطابق السفلي من الجناح الغربي، حيث كان بعض مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجتمعين في غرفة عملياتٍ لمتابعة الموقف. ثم انضمَّ إليهم ترامب بعد وقتٍ قصير من إنهاء اجتماعه مع رئيس الوزراء اليوناني.
بعد ذلك بثلاث ساعات، سقط وابلٌ من الصواريخ الباليستية التي أطلِقت من إيران على قاعدتين في العراق، من بينهما قاعدة الأسد، حيث يتركز حوالي 1000 جندي أمريكي. ويُمكن القول إنَّ هذه الهجمات مثَّلت ذروة يومٍ محموم مليء بالحيرة والمعلومات الخاطئة، حيث بدا في بعض الأحيان أنَّ هناك تصعيداً عسكرياً كبيراً قد يؤدي إلى حربٍ أكبر. إذ قضى ترامب ساعاتٍ مع مساعديه في مراقبة آخر التهديدات. فيما دَرَس المخططون العسكريون خياراتٍ مناسبة للرد إذا قتلت إيران قوات أمريكية.
تجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الإنذار المبكر الذي أرسلته الاستخبارات الأمريكية يساعد في تفسير أحد أسباب وقوع خسائر طفيفة من جرَّاء هجمات الصواريخ، التي لم تُدمِّر سوى حظائر فارغة بعد إخلائها من الطائرات والجنود، وسقطت على الرمال الصحراوية في مناطق جرداء خاوية تقع على أطراف القاعدة. ومن ثَمَّ، لم يقع أي مصابين أو ضحايا في صفوف القوات الأمريكية أو العراقية، وشعر ترامب، الذي أوضح لمستشاريه أنَّه يُفضِّل تجنُّب المشاركة في مزيدٍ من التصعيد، بالارتياح.
بعد ذلك، تحدَّث ترامب وبِنس إلى قادة النواب الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس، وحثَّ بعضهم ترامب على محاولة تهدئة الأزمة.
هذا الاستعراض لتفاصيل الساعات العصيبة التي أحاطت بهجمات يوم الثلاثاء، استندت فيه الصحيفة الأمريكية إلى لقاءاتٍ أجريت مع مسؤولين وعسكريين أمريكيين حاليين وسابقين في كلٍّ من واشنطن والعراق.
ارتياح أمريكي بعد الرد الإيراني
كما اتضح لاحقاً، فهذه الهجمات الصاروخية ربما تُمثِّل نهايةً غير دموية للفصل الأخير في الصراع الأمريكي المستمر منذ أربعة عقود مع إيران. إذ قال ترامب، الأربعاء 8 يناير/كانون الثاني، إن إيران «يبدو أنها توقفت عن التصعيد» بعد أيامٍ من التوترات المتصاعدة منذ مقتل اللواء قاسم سليماني، مع أن العديد ممَّن يتابعون ديناميات علاقة الولايات المتحدة مع إيران عن كثب لا يتوقعون مستقبلاً سلمياً بين البلدين.
إذ قالت كرستين فونتينروز، التي كانت تتولى متابعة قضايا الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي في وقتٍ سابق من عهد إدارة ترامب: “إذا كان هذا هو رد إيران النهائي بالفعل، فإنَّه يعد مؤشراً كبيراً على عدم التصعيد يجب أن نستقبله بامتنان”.
الاستعداد للانتقام لمقتل سليماني
قبل ساعاتٍ من وصول المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون إلى مكاتبهم يوم الثلاثاء، كانت القوات الأمريكية في العراق تستعد للرد الإيراني الانتقامي على مقتل سليماني.
إذ كانت أقمار التجسس الصناعية تتعقَّب تحرُّكات ترسانة إيران من قاذفات الصواريخ، فيما أوضحت بعض الاتصالات التي جرت بين القادة العسكريين الإيرانيين، والتي اعترضتها وكالة الأمن القومي الأمريكية، أنَّ الرد على مقتل سليماني قد يأتي في ذلك اليوم.
في السياق نفسه، كانت قاعدة الأسد، التي تقع في محافظة الأنبار العراقية، محور تركيز العديد من التقارير عن التهديدات المحتملة الغامضة، بما في ذلك تحذيرٌ من أنَّ مئات المقاتلين من كتائب حزب الله، وهي ميليشيا عراقية تتولَّى إيران تدريبها وتجهيزها، قد يشنون هجوماً مباشراً على القاعدة.
تجدر الإشارة إلى أنَّ القاعدة كانت مُعرَّضة للهجوم نسبياً؛ فهي غير محمية بأنظمة باتريوت المضادة للصواريخ، وفقاً لمسؤول عسكري أمريكي. إذ نُشِرَت هذه الأنظمة في بلدانٍ أخرى في الشرق الأوسط تُعتبر أكثر عرضةً للهجمات الصاروخية الإيرانية. ولذلك، جهَّز القادة الأمريكيون لإخلاء القاعدة جزئياً، ونقلوا معظم القوات المتبقية إلى ملاجئ مُحصَّنة لحمايتها من أي هجومٍ قادم.