في مشفى سانت ماري الكائنة في لندن، قد جلس مريض بجوار جهاز ضخم خرجت منه أسلاك عديدة، اتصلت بأنحاء متعددة من جسمه، وبجواره قريبا جدا منه، وقف ذلك الطبيب البريطاني الذي يسمى بأوغسطوس والر الذي يتابع ذلك الجهاز الذي يستخدم الكهرباء والزئبق محاولا برسم أول مخطط كهربائي لانسان في التاريخ، فكانت نتيجة ذلك ضعيفة وغير مرضية أبداً.
التمثيل الكهربائي للقلب كان مشوها ولم يستطيع هذا الطبيب استخراج البيانات منه على الاطلاق، فكانَ ذلكَ في عامِ ألفٍ وثمانِمئَةٍ وسبعةٍ وثمانينَ. وفي الوقتِ الذي كانَ فيهِ “فيلم أيندهوفن” بالكادِ يحبو نحوَ مجدٍ لا يزالُ أن يحملُ اسمَهُ حتى وقتنا الحالي؛ فابتكارَ جهازِ التخطيطِ الكهربائيِّ؛ الذي هو لا يزالُ يستخدم حتى وقتِنا الحالي بعدَ أكثرَ منْ قرنٍ على نطاقٍ واسع؛ وبسببِ ذلك الجهاز حصلَ “أيندهوفن” على جائزةِ نوبل الطبِّ عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وأربعةٍ وعشرين.
حياة الطبيب وقصته في الفيلم
فقد وُلدَ هذا الفيلم “فيلم أيندهوفن” في جزيرةِ جاوةَ في مايو عامَ ألفٍ وثمانِمئَةٍ وستونَ؛ وتلك الجزيرة ما هيَ الا جزءٌ منْ جزرِ الهندِ الشرقيةِ الهولنديةِ المعروفةِ في وقتنا الحالي باسمِ “إندونيسيا”، حيث كانَ والدُه طبيب، يقوم بالعملُ في الجيشِ الهولندي، حيث أنه أصبحَ فيما بعدُ طبيب للرعايا الهولنديينَ، أما والدتُه “لويز دي فوجل” فكانتِ أمه ابنةَ المسؤولِ الماليِّ في هذه الجزر.
فقد كانَ “فيلم” الابنَ الذكرَ الأكبرَ؛ والطفلَ الثالثَ في عائلةٍ مكونةٍ من ثلاثِ بناتٍ وثلاثةِ ذكور.
وفي سنِّ السادسةِ؛ فقدَ الشاب أيندهوفن والدَه، وفيما بعد ذلك بأربعِ سنواتٍ؛ قررتْ والدتُهُ العودةَ معَ أطفالِها الستةِ إلى هولندا وتركه؛ وفي مدينةِ “أوتريخت” استقرتِ عائلته.
وبعدَ أنْ أنهى الشاب أيندهوفن الدراسة الثانويةَ؛ حيث قررَ أن يقوم باتِّباعَ خُطى والدِهِ، فالتحقَ بجامعةِ أوتريخت لكي يقوم بدراسةِ الطبِّ؛ وهناكَ بدأتْ قدراتُهُ الاستثنائيةُ أن تظهر ليصبح طبيب.
فقد قام هذا الشاب أيندهوفن باظهار تفوقًا في طبِّ العيونِ؛ ذلك الأمرُ الذي شجعَ عالِمَ الفسيولوجيا الشهيرَ فرانسيسكوس دندرز على أن يقوم بضمِّهِ إلى فريقِ التشريحِ الخاصِّ بهِ، وأن يجعله في معملِهِ؛ فقد أتقنَ أيندهوفن هذا العلمَ بشكلٍ رائع ومثيرٍ للإعجاب.
وفي عامِ ألفٍ وثمانِمئَةٍ وخمسةٍ وثمانينَ؛ قد تمَّ تعيينُهُ أستاذًا لعلمِ وظائفِ الأعضاءِ في جامعةِ “ليدن”.
اقرأ أيضاً: التقدم التكنولوجي للهواتف الذكية، المركبات ذاتية القيادة ،الذكاء الاصطناعي والعلوم الطبية!!
بدأَ أيندهوفن في نشرِ مجموعةٍ منَ الأبحاثِ التي تتعلق بوظائفِ العضلاتِ والربوِ العصبيِّ والهندسةِ البصريةِ والاستجابةِ الكهربائيةِ للعينِ، إلا أنَّه قد قام بإنجاز أكبر فقد بدأَ حينَ شرعَ في تسجيلِ “أصواتِ القلب”.
وفي بدايته؛ قام “أيندهوفن” باستخدام الأداةَ نفسَها التي استخدمَها سابقا “والر” لكي يحاول تخطيطِ كهرباءِ القلبِ، من ثمَّ بدأَ في تكريسِ وقتِهِ لتصحيحِ مشكلاتِ الانحرافاتِ التي نتجت عنِ استخدامِ الزئبقِ مع الكهرباءِ لإجراءِ عمليةِ التخطيطِ الكهربائي؛ وفي عامِ ألفٍ وتسعِمئةٍ واثنينِ؛ قام بابتكارَ جهازًا جديدًا ضخمًا يُمكنُهُ من خلاله قياسُ الإشارةِ الكهربائيةِ للقلبِ المُصابِ؛ بعدَ أنِ قام باكتشاف أنَّ القلوبَ المريضةَ تختلفُ في كهربيتِها عنِ القلوبِ السليمة.
وللقيام بتحسينِ فاعليةِ جهازِ قياسِ موجاتِ القلبِ الكهربيةِ؛ قام ايندهوفن بابتكار الجلفانومتر الخيطيَّ، حيث أنه جهازٌ تكون منْ خيوطٍ طويلة مغلفة بالفضةِ تقومُ بتوصيلِ التياراتِ الكهربيةِ منَ القلبِ، حيث كانَ هذا الجهازُ ضخمًا جداً؛ ويزيدُ وزنُ ذلك الجهاز عن مئتَينِ وخمسينَ كيلوجرامًا، وكان يحتوي على مغناطيس قوي يمكنها القيام بتحريكِ الخيوطِ التي يمكن أن يمرُّ بها التيارُ الكهربائيُّ الصاعد منَ القلبِ بشكلٍ خطيٍّ متناسق يتناسبُ مع شدةِ كهرباءِ القلب، فقد كانَ الجهازُ دقيقًا بصورةٍ معقولة جداً ؛ ثمَّ أدخلَ الهولنديُّ عليهِ مجموعةً منَ التحسيناتِ التي أدتْ إلى رفعِ كفاءتِهِ وزيادةِ دقتِه.